الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **
الطبقة الأولى تسمى البيشدانية والطبقة الثانية تسمى الكينية والطبقة الثالثة تسمى الأشكانية والطبقة الرابعة تسمى الساسانية ومدة ملكهم في العالم على ما نقل ابن سعيد عن كتاب تاريخ الأمم لعلي بن حمزة الأصبهاني وذلك من زمن كيومرث أبيهم إلى مهلك يزدجرد أيام عثمان أربعة آلاف سنة ومائتا سنة ونحو إحدى وثمانين سنة. وكيومرث عندهم هو أول ملك نصب في الأرض ويزعمون فيما قال المسعودي: أنه عاش ألف سنة وضبطه بكاف أول الاسم قبل الياء المثناة من أسفل والسهيلي ضبطه بجيم مكان الكاف والظاهر أن الحرف بين الجيم والكاف كما قدمناه. الطبقة الأولى من الفرس وهي البيشدانية M0 وذكر ملوكهم وما صار إليه في الخليقة أحوالهم الفرس كلهم متفقون على أن كيومرث هو آدم الذي هو أول الخليقة وكان له ابن اسمه منشا ولمنشا سيامك ولسيامك أفروال ومعه أربعة بنين وأربع بنات ومن أفروال كان نسل كيومرث والباقون انقرضوا فلا نعرف لهم عقب. قالوا وولد لأفروال أوشهنك بيشداد. فاللفظة الأولى حرفها الأخير بين الكاف والقاف والجيم واللفظة الأخرى معناها بلغتهم النور. قاله السهيلي وقال الطبري: أول حاكم بالعدل. وكان أفروال وارث ملك كيومرث وملك الأقاليم السبعة. قال الطبري عن ابن الكلبي إنه أوشهنك ابن عابر بن شالخ. قال والفرس تدعيه وتزعم أنه بعد آدم بمائتي سنة. قال وإنما كان نوح بعد آدم بمائتي سنة فصيره بعد آدم. وأنكره الطبري لأن شهرة أوشهنك تمنع من مثل هذا الغلط فيه. ويزعم بعض الفرس أن أوشهنك بيشداد هو مهلايل وأن أباه أفروال هو قينن وأن سيامك هو أنوش وأن منشا هو شيت وأن كيومرث هو آدم. بمائتي سنة. وقال بعض علماء الفرس: إن كيومرث هو كومر بن يافث بن نوح وأنه كان معمراً ونزل جبل دنباوند من جبال طبرستان وملكها ثم ملك فارس وعظم أمره وأمر بنيه حتى ملكوا بابل. وأن كيومرث هو الذي بنى المدن والحصون واتخذ الخيل تسمى بآدم وحمل الناس على دعائه بذلك. وأن الفرس من عقب ولده ماداي ولم يزل الملك في عقبهم في الكينية والكسروية إلى آخر أيامهم. وتقول الفرس أن أوشهنك وهو مهلايل ملك الهند. قالوا وملك بعد أوشهنك طهمورث بن أنوجهان بن أنكهد بن أسكهد بن أوشهنك وقيل مكان أسكهد فيشداد. وكلها أسماء أعجمية لا عهدة علينا في نقلها لعجمتها وانقطاع الرواية في الأصول التي نقلت منها. قال ابن الكلبي إن طهمورث أول ملوك بابل وأنه ملك الأقاليم كلها وكان محموداً في ملكه وفي أول سنة من ملكه ظهر بيوراسب ودعا إلى ملة الصابئة. وقال علماء الفرس: ملك بعد طهمورث جمشيد ومعناه الشجاع لجماعة وهو جم بن نوجهان أخو طهمورث وملك الأرض واستقام أمره. ثم بطر النعمة وساءت أحواله فخرج عليه قبل موته بسنة بيوراسب وظفر به فنشره بمنشار وأكله وشرط أمعاءه. وقيل إنه ادعى الربوبية فخرج عليه أولاً أخوه أستوير فاختفى. ثم خرج بيوراسب فانتزع الأمر من يده وملك سبعمائة سنة. وقال ابن الكلبي مثل ذلك قال الطبري بيوراسب هو الأزدهاك والعرب تسميه الضحاك وهو بصاد بين السين والزاي وحاء قريب من الهاء وكاف قريبة من القاف. وهو الذي عنى أبو نواس بقوله: وكان منا الضحاك تعبده الجامل والجن في محاربها لأن اليمن تدعيه. قال: وتقول العجم: إن جمشيد زوج أخته من بعض أهل بيته وملك على اليمن فولدت الضحاك. وتقول أهل اليمن في نسبه: الضحاك بن علوان بن عبيدة بن عويج وأنه بعث على مصر أخاه سنان بن علوان ملكاً وهو فرعون إبراهيم. قاله ابن الكلبي. وأما الفرس فينسبونه هكذا: بيوراسب بن رتيكان بن يدوشتك بن فارس بن أفروال ومنهم من خالف في هذا. ويزعمون أنه ملك الأقاليم كلها وكان ساحراً كافراً وقتل أباه وكان أكثر إقامته ببابل. وقال هشام: ملك الضحاك وهو نمرود الخليل بعد جمشيد وأنه التاسع منهم وكان مولده بدنباوند وأن الضحاك سار إلى الهند فخالفه أفريدون إلى بلاده فملكها. ورجع الضحاك فظفر به أفريدون وحبسه بجبال دنباوند واتخذ يوم ظفر به عيداً. وعند الفرس أن الملك إنما كان للبيت الذي وطنه أوشهنك وجمشيد وأن الضحاك هو بيوراسب خرج عليهم وبنى بابل وجعل النبط جنده وغلب أهل الأرض بسحره وخرج عليه رجل من عامة أصبهان اسمه عالي وبيده عصا علق فيها جراباً واتخذها راية ودعا الناس إلى حربه فأجابوا وغلبه فلم يدع الملك وأشار بتولية بني جمشيد لأنه من عقب أوشهنك ملكهم الأول بن أفروال فاستخرجوا أفريدون من مكان اختفائه فملكوه واتبع الضحاك فقتله. وقيل أسره بدنباوند. ويقال كان على عهد نوح وإليه بعث. ولهذا يقال: إن أفريدون هو نوح. والتحقيق عند نسابة الفرس على ما نقل هشام بن الكلبي أن أفريدون من ولد جمشيد بينهما تسعة آباء. وملك مائتي سنة. ورد غصوب الضحاك ومظالمة. وكان له ثلاثة بنين الأكبر سرم والثاني طوج والثالث إيرج. وإنه قسم الأرض بينهم: فكانت الروم وناحية المغرب لسرم والترك والصين والعراق لايرج وآثره بالتاج والسرير ولما مات قتله أخواه واقتسما الأرض بينهما ثلثمائة سنة. ويزعمون أن أفريدون وآباءه العشرة يلقبون كلهم أشكايان. وقيل في قسمته الأرض بين ولده غير هذا. وإن بابل كانت لإيرج الأصغر وكان يسمى خيارث ويقال كان لإيرج ابنان: وندان وأسطوبة وبنت اسمها خورك. وقتل الابنان مع أبيهما بعد مهلك أفريدون وأن أفريدون ملك خمسمائة سنة وأنه هو الذي محا آثار ثمود من النبط بالسواد وأنه أول من تسمى بكي فقيل كي أفريدون ومعناه التنزيه أي مخلص متصل بالروحانيات. وقيل معناه البهاء لأنه يغشاه نور من يوم قتل الضحاك وقيل معناه مدرك الثأر. وكان منوشهر الملك ابن منشحر بن إيرج من نسل أفريدون وكانت أمه من ولد إسحاق عليه السلام فكفلته حتى كبر فملك وثأر بأبيه إيرج من عمه بعد حروب كانت له معهما. ثم استبد ونزل بابل وحمل الفرس على دين إبراهيم عليه السلام وثار عليه أفراسياب ملك الترك فغلبه على بابل وملكها ثم اتبعه إلى غياض طبرستان فجهز العساكر لحصاره وسار إلى العراق فملكه. ويقال أفراسياب هذا منعقب طوج بن أفريدون ولحق ببلاد الترك عندما قتل منوشهر جد طوج فنشأ عندهم وظهر من بلادهم فلهذا نسب إليهم. وقال الطبري: لما هلك منوشهر بن منشحور غلب أفراسياب بن أشك بن رستم بن ترك على خيارات وهي بابل وأفسد مملكة فارس وحيرها. فثار عليه زومر بن طهمارست ويقال راسب بن طهمارست. وينسب إلى منوشهر في تسعة آباء وأن منوشهر غضب على طهمارست وكانوا يحاربون أفراسيات فهم بقتله وشفع فيه أهل الدولة فنفاه إلى بلاد الترك وتزوج منهم ثم عاد إلى أبيه وأعمل الحيلة في إخراج إمرأته من بلاد الترك وكانت ابنة وامن ملك الترك فولدت له زومر ابنه وقام بالملك بعد منوشهر وطرد أفراسيات عن مملكة فارس وقتل جده واقن في حروبه مع الترك. ولحق أفراسيات بتركستان واتخذ يوم ذلك الغلب عيداً ومهرجاناً وكان ثالث أعيادهم. وكان غلبه على بلاد فارس لاثنتي عشرة سنة من وفاة منوشهر جده وكان زومر بن طهمارست هذا محموداً في سيرته وأصلح ما أفسد أفراسيات بن خيارت من مملكة بابل وهو الذي حفر نهر الزاب بالسواد وبنى على حافته المدينة العتيقة وسماها الزواهي وعمل فيها البساتين وحمل إليها بزور الأشجار والرياحين. وكان معه الملك كرشاسب من ولده طوج بن أفريدون وقيل من ولد منوشهر. ويقال إنما كان رديفاً له وكان عظيم الشأن في أهل فارس ولم يملك وإنما كان الملك لزومر بن طهمارست وهلك لثلاث سنين من دولته. وفي أيامه خرج بنو إسرائيل من التيه وفتح يوشع مدينة أريحاء ودال الملك من بعده للكينية حسبما يذكر وأولهم كيقباذ. ويقال إن مدة الملك لهذه الطبقة كانت ألفين وأربعمائة وسبعين سنة فيما قال البيهقي والأصبهاني ولم يذكر من ملوكهم إلا هؤلاء التسعة الذين ذكرهم الطبري والله وارث الأرض ومن عليها. الطبقة الثانية من الفرس وهم الكينية وذكر ملوكهم وأيامهم إلى حين انقراضهم. هذه الطبقة الثانية من الفرس وملوكهم يعرفون بالكينية لأن اسم كل واحد مضاف إلى كي وقد تقدم معناه. والمضاف عند العجم متأخر عن المضاف إليه وأولهم فيما قالوا كيقباذ بن عقب منوشهر بينهما أربعة آباء وكان متزوجاً بامرأة من رؤوس الترك ولدت له خمسة من البنين: كي وافيا وكيكاوس وكي أرش وكي نية فاسمن وهؤلاء هم الجبابرة وآباء الجبابرة. قال الطبري: وقيل إن الملوك الكينية وأولادهم من نسله جرت بينه وبين الترك حروب وكان مقيماً بنهر بلخ يمانع الترك من طروق بلاده وملك مائة سنة انتهى. وملك بعده ابنه كيكاوس ابن كينية وطالت حروبه مع أفراسيات ملك الترك وهلك فيها ابنه سياوخش ويقال كان على عهد داود عمراً ذا الأذعار من ملوك التبابعة غزاه في بلاده فظفر به وحبسه عنده باليمن وسار وزيره رستم بن دستان بجنود فارس إلى غزو ذي الأذعار فقتله وتخلص كيكاوس إلى ملكه. وقال الطبري: كان كيكاوس عظيم السلطان والحماية وولد له ابنه سياوخش فدفعه إلى رستم الشديد بن دستان. وكان أصهر بسجستان حتى إذا كملت تربيته وفصاله رده إلى أبيه فرضيه وكفلت به امرأة أبيه فسخطه وبعثه لحرب أفراسيات وأمره بالمناهضة فراوده أفراسيات في الصلح وامتنع أبوه كيكاوس فخشي منه على نفسه ولحق بأفراسات فزوجه ابنته أم كي خسرو ثم خشيه أفراسيات على نفسه وأشار على ابنته بقتله فقتلته. وترك ابنة أفراسيات حاملاً بخسرو وولدته هنالك. وأعمل كيكاوس الحيلة في إخراجه فلحق به. ويقال: إنه لما بلغه قتل ابنه بعث عساكره مع قواده فوطئوا بلاد الترك وأثخنوا فيها وقتلوا بني أفراسيات فيمن قتلوه. قال الطبري: وإنه غزا بلاد اليمن ولقيه ذو الأذعار في حمير وقحطان فظفر به وأسره وحبسه في بئر وأطبق عليها. وإن رستم سار من سجستان فحارب ذا الأذعار ثم اصطلحا على أن يسلم إليه كيكاوس فأخذه ورجع إلى بابل وكافأه كيكاوس على ذلك بالعتق من عبودية الملك ونصب لجلوسه سريراً من فضة بقوائم من ذهب وتوجه بالذهب وأقطعه سجستان وأباستان وهلك لمائة وخمسين من دولته. وملك بعده فيما قال الطبري والمسعودي والبيهقي وجماعة من المؤرخين حافده كي خسرو ابن ابنه سياوخش. وقال السهيلي: إنه ملك كي خسرو بعد ثلاثة آخرين بينه وبين كيكاوس. فأولهم بعده كي كينة ثم من بعده ابنه أجو ابن كي كينة ثم عمه سباوخش بن كيكاوس. ثم بعد الثلاثة كي خسرو بن سباوخش وهو غريب فإنهم متفقون على أن سباوخش مات في حياة أبيه في حروب الترك. قال الطبري: وقد كان كيكاوس بن كي كينية بن كيقباذ ملك كي خسرو حين جاءه من بلاد الترك مع أمه وأسفاقدين بنت أفراسيات. قالوا ولما ملك بعث العساكر مع أجو إلى أصبهان لحرب أفراسيات ملك الترك للطلب بثأر أبيه سباوخش فزحفوا إلى الترك وكانت بينهم حروب شديدة انهزمت فيها عساكر الفرس فنهض كي خسرو بنفسه إلى بلخ قدم عساكره وكان قاتل سباوخش بن كي خسرو فيمن قتل منهم. وبعث أفراسيات ابنه وكان ساحراً إلى كيخسرو يستميله فعمد إلى القواد بمنعه وقتاله وقاتل فقتل. وزحف أفراسيات فلقيه كي خسرو وكانت بينهما حروب شديدة انجلت عن هزيمة أفراسيات والترك واتبعه كي خسرو فظفر به في أذرربيجان فذبحه وانصرف ظافراً. وكان فيمن حضر معه لهذا الفتح ملك فارس هو كي أوجن بن حينوش بن كيكاوس ابن كينية بن كيقباذ. وهو عند الطبري أبو كيهراسف الذي ملك بعد كيخسرو على ما نذكر. وملك على الترك بعد أفراسيات جوراسف ابن أخيه شراشف. ثم إن كي خسرو ترهب وتزهد في الملك واستخلف مكانه كيهراسف بن كي أوجن الذي قدمناه أنه أبوه عند الطبري ولد كيخسرو فقيل غاب في البرية وقيل مات وذلك لستين سنة من ملكه. ولما ملك كيهراسف اشتدت شوكة الترك فسكن لقتالهم مدينة بلخ على نهر جيحون وأقام في حروبهم عامة أيامه. وكان أصبهبذ ما بين الأهواز والروم من غربي دجلة في أيامه بختنرسي المشتهر ببختنصر وأضاف إليه كهراسف ملكاً عندما سار إليه وأذن له في فتح ما يليه. وسار إلى الشام معه ملوك الفرس وبختنصر ملك الموصل وله سنجاريف ففتح بيت المقدس وكان له الظهور على اليهود واستأصلهم كما مر في أخبارهم. وبختنصر هذا الذي غزا العرب وقاتلهم واستباحهم قال هشام بن محمد: أوحى الله إلى أرميا النبي عليه السلام وكان حافد في زريافيل الذي رجع بني إسرائيل إلى بيت المقدس بأمر بختنصر أن يفرق العرب الذين لا أغلاق لبيوتهم ويستبيحهم بالقتل ويعلمهم بكفرهم بالرسل واتخاذهم الآلهة. وفي كتاب الإسرائيليين: والوحي بذلك كان إلى يرميا بن خلقيا وقد مر ذكره. وإنه أمر أن يستخرج معد بن عدنان من بينهم ويكفله إلى انقضاء أمر الله فيهم انتهى. قال فوثب بختنصر على من وجده ببلاده من العرب للميرة فحبسهم ونادى بالغزو وجاءت منهم طوائف مستسلمين فقبلهم وأنزلهم بالأنبار والحيرة. وقال غير هشام: إن بختنصر غزا العرب بالجزيرة وما بين أيلة والأبلة وملأها عليهم خيلاً ورجالاً ولقيه بنو عدنان فهزمهم إلى حضورا واستلحمهم أجمعين. وإن الله أوحى إلى أرميا ويوحنا أن يستخرجا معد بن عدنان الذي من ولده محمد أختم به النبيين آخر الزمان وهو ابن اثنتي عشرة سنة. وردفه يوحنا على البراق وجاء به إلى حران وربي بين أنبياء بني إسرائيل. ورجع بختنصر إلى بابل وأنزل السبي بالأنبار فقيل أنبار العرب وسميت بهم. خالطهم النبط بعد ذلك. ولما قيد بختنصر خرج معد بن عدنان مع أنبياء بني إسرائيل إلى الحج فحجوا وبقي هنالك مع قومه وتزوج بعانة بنت الحارث بن مضاض الجرهمي فولدت له نزار بن معد. وأما كيهراسف فكان يحارب الترك عامة أيامه وهلك بحروبهم لمائة وعشرين سنة من ملكه وكان محمود السيرة وكانت الملوك شرقاً وغرباً يحملون إليه الأتاوة ويعظمونه. وقيل: إنه ولى ابنه كيستاسب على الملك وانقطع للعبادة. ولما ملك ابنه كيستاسب شغل بقتال الترك عامة أيامه ودفع لحروبهم ابنه أسفنديار فعظم عناؤه فيهم. وظهر في أيامه زرادشت الذي يزعم المجوس نبوته وكان فيما زعم أهل الكتاب من أهل فلسطين خادماً لبعض تلامذة إرميا النبي خالصة عنده فخانه في بعض أموره فدعا الله عليه فبرص ولحق بأذربيجان وشرع بها دين المجوسية. وتوجه إلى كيستاسف فعرض عليه دينه فأعجبه وحمل الناس على الدخول فيه وقتل من امتنع. وعند علماء الفرس أن زرادشت من نسل منوشهر الملك وأن نبياً من بني إسرائيل بعث إلي كيستاسف وهو ببلخ فكان زرادشت وجاماسب العالم وهو من نسل منوشهر أيضاً يكتبان بالفارسية ما يقول ذلك النبي بالعبرانية وكان جاماسب يعرف اللسان العربي ويترجمه لزرادشت وأن ذلك كان لثلاثين سنة من دولة كيهراسف. وقال علماء الفرس: إن زرادشت جاء بكتاب أدعاه وحياً كتب في اثني عشر ألف بعده نقشاً بالذهب وكان كيستاسف وضع ذلك في هيكل باصطخر ووكل به الهرابذة ومنع من تعليمه العامة. قال المسعودي: ويسمى ذلك الكتاب نسناه وهو كتاب الزمزمة ويدور على ستين حرفاً من حروف المعجم. وفسره زرادشت وسمى تفسيره زئذ ثم فسر التفسير ثانياً وسماه زندية. وهذه اللفظة هي التي عربتها العرب زنديق. وأقسام هذا الكتاب عندهم ثلاثة: قسم في أخبار الأمم الماضية وقسم في حدثان المستقبل وقسم في نواميسهم وشرائعهم. مثل أن المشرق قبلة وأن الصلوات في الطلوع والزوال والغروب وأنها ذات سجدات ودعوات. وجدد لهم زرادشت بيوت النيران التي كان منوشهر أخمدها ورتب لهم عيدين: النيروز في الاعتدال الربيعي والمهرجان في الاعتدال الخريفي وأمثال ذلك من نواميسهم. ولما انقرض ملك الفرس الأول أحرق الإسكندر هذه الكتب. ولما جاء أردشير جمع الفرس على قراءة سورة منها تسمى أسبا. قال المسعودي: وأخذ كيستاسف بدين المجوسية من زرادشت لخمس وثلاثين سنة من نبوته فيما زعموا ونصب كيستاسف مكانه جاماسب العالم من أهل أذربيجان وهو أول موبذان كان في الفرس انتهى. قال الطبري: وكان كيستاسب مهادناً أرجاماسب ملك الترك وقد اشترط عليه أن تكون دابة كيستاسف موقفة على بابه بمنزلة دواب الرؤساء عند أبواب الملوك فمنعه من ذلك زرادشت وأشار عليه بفتنة الترك فبعث إلى الدابة والموكل بها وصرفهما إليه. وبلغ الخبر إلى ملك الترك فبعث إليه بالعتاب والتهديد وأن يبعث بزرادشت إليه وإلا فيعزره. وأغلظ كيستاسف في الجواب وآذنه بالحرب وسار بعضهما إلى بعض واقتتلوا وقتل رزين بن كيستاسف وانهزم الترك وأثخن فيهم الفرس. وقتل ساحر الترك قيدوشق ورجع كيستاسف إلى بلخ. ثم سعى عنده بابنه أسفنديار فحبسه وقيده وسار إلى جبل بناحية كرمان وسجستان فانقطع به للعبادة ودراسة الدين. وخلف أباه كهراسف في بلخ شيخاً قد أبطله الكبر وترك خزائنه وأمواله فيها مع امرأته فغزاهم بها خدراسف وقدم أخاه جورا في جموع الترك وكان مرشحاً للملك فأثخن واستباح واستولى على بلخ وقتل كهراسف أباهم وغنموا الأموال وهدموا بيوت النيران وسبوا حمايي بنت كستاسف وأختها. وكان فيما غنموه العلم الأكبر الذي كانوا يسمونه زركش كاويان وهي راية الحداد الذي خرج على الضحاك وقتله. وولى أفريدون فسموا بتلك الراية ورصعوها بالجواهر ووضعوها في ذخائرهم يبسطوها في الحروب العظام. وكان لها ذكر في دولتهم وغنمها المسلمون يوم القادسية. ثم مضت خدراسف ملك الترك في جموعه إلى كستاسف وهو بجبال سجستان متعبداً فتحصن منه وبعث إلى ابنه اسفنديار مع جاماسب العالم وهو في الجبل فقلده الملك ومحاربة الترك فسار إليهم وأبلى في حروبهم فانهزموا وغنم ما معهم واسترد ما كانوا غنموه والراية زركش كاويان في جملته. ثم دخل أسفنديار إلى بلادهم في اتباعهم وفتح مدينتهم عنوة وقتل مهلكهم خدراسف وإخوته واستلحم مقاتلته واستباح أمواله ونساءه ودخل مدينة أفراسيات ودوخ البلاد وانتهى إلى بلاد صول والتبت وولى على كل ناحية من الترك وفرض الخراج وانصرف إلى بلخ وقد غص به أبوه. قال هشام بن محمد: فبعثه إلى رستم ملك سجستان الذي كان يستنفره كيقباذ جدهم من ملوك اليمن وأقطعه تلك الممالك جزاء لفعله. فسار إليه أسفنديار وقاتله وهلك كستاسف لمائة وعشرين سنة. ويقال أنه الذي رد بني إسرائيل إلى بلادهم وأن أمه كانت من بني طالوت. ويقال أن ذلك هو حافد بهمن وقيل أن الذي ردهم هو كورش من ملوك بابل أيام بهمن بأمره. ثم ملك بعد كستاسف حافده كي بهمن ويقال أردشير بهمن. قال الطبري: ويعرف بالطويل الباع لاستيلائه على الممالك والأقاليم. قال هشام بن محمد: ولما ملك سار إلى سجستان طالباً بثأر أبيه فكانت بينهما حروب فقتل فيها رستم بن دستان وأبوه وإخوته وأبناؤه. ثم غزا الروم وفرض عليهم الأتاوة وكان من أعظم ملوك الفرس وبنى مدناً بالسواد وكانت أمه من نسل طالوت لأربعة آباء من لدنه وكانت له أم ولد من سبي بني إسرائيل اسمها راسف وهي أخت زريافيل الذي ملكه على اليهود ببيت المقدس وجعل له رياسة الجالوت وملك الشام وملك ثمانين سنة. فملكت حماي ملكها الفرس لجمالها ولحسن أدبها وكمال معرفتها وفروسيتها وكانت بلغت شهرازاد. وقيل إنما ملكوها لأنها لما حملت من أبيها بدار الأكبر سألته أن يعقد له التاج في بطنها ففعل ذلك. وكان ابنه ساسان مرشحاً للملك فغضب ولحق بجبال إصطخر زاهداً يتولى ماشيته بنفسه فلما مات أبوه فقدوا ذكراً من أولاده فولوا حماي هذه وكانت مظفرة على الأعداء. ولما بلغ ابنها دارا الأشد سلمت إليه الملك وسارت إلى فارس واختطت مدينة ذارا بجرد. وردت الغزو إلى بلاد الروم وأعطيت الظفر فكثر سبيم عندها وملكت ثلاثين سنة. ولما ملك ابنها دارا نزل بابل وضبط ملكه وغزا الملوك وأدوا الخراج إليه. ويقال: إنه الذي رتب دواب البرد. وكان معجباً بابنه دارا حتى سماه باسمه وولاه عهده وهلك لاثنتي عشرة سنة وملك بعده ابنه دارا بهمن. وكان له مرب اسمه بيدلي قتله أبوه دارا بسعاية وزيره أرشيش محمود وندم على قتله. فلما ولي دارا جعل على كتابته أخا بيدلي ثم استوزره رعياً لمرباه مع أخيه. فاستفسده على أرشيش وزيره ووزير أبيه وعلى سائر أهل الدولة استوحشوا منه. وقال هشام بن محمد: وملك دارا بن دارا أربع عشرة سنة فأساء السيرة وقتل الرؤساء وأهلك الرعية. وغزاه الإسكندر بن فيلبس ملك بني يونان. وقد كانوا يسمونه. . . . فوثب عليه بعضهم وقتله ولحق بالإسكندر وتقرب بذلك إليه فقتله الإسكندر وقال: هذا جزاء من اجرأ على سلطانه وتزوج بنته روشنك كما نذكره في أخبار الإسكندر. وقال الطبري: قال بعض أهل العلم بأخبار الماضين كان لدارا من الولد يوم قتل أربع بنين: أسسك وبنودار وأرداشير وبنت اسمها روشنك. وهي التي تزوجها الإسكندر. قال وملك أربع عشرة سنة. هذه هي الأخبار المشهورة للفرس الأولى إلى ملكهم الأخير دارا. قال هروشيوش مؤرخ الروم في مبدأ دولة الفرس هؤلاء إنما كانت بعد دخول بني إسرائيل إلى الشام وعلى عهد عثنيئال بن قناز بن يوفنا وهو ابن أخي كالب بن يوفنا الذي دبر أمر بني إسرائيل بعد يوشع. قال: وفي ذلك الزمان خرج أبو الفرس من أرض الروم الغريقيين من بلاد آسيا واسمه بالعربية فارس وباليونانية يرشور وبالفارسية يرشيرش. فنزل بأهل بيته في ناحية وتغلب على أهل ذلك الموضع فنسبت إليه تلك الأمة واشتق اسمها من اسمه وما زال أمرهم ينمو إلى دولة كيرش الذي يقال فيه إنه كسرى الأول فغلب على القضاعيين ثم زحف إلى مدينة بابل وعرض له دونها النهر الثاني بعد الفرات وهو نهر دجلة فاحتفر له الجداول وقسمه فيها ثم زحف إلى المدينة وتغلب عليها وهدمها. ثم حارب السريانيين فهلك في حروبهم يبلاديشت وولي ابنه قنبيشاش بن كيرش فثأر منهم بأبيه وتخطاهم إلى أرض مصر فهدم أوثانهم ونقض شرائعهم فقتله السحرة وذلك لألف سنة من ابتداء دولتهم فولي أمر الفرس دارا وقتل السحرة بمصر ورد عمالة السريانيين إليهم ورجع بني إسرائيل إلى الشام في الثانية من أيامه وزحف إلى بلاد الروم الغريقيين طالباً ثأر كيرش ولم يزل في حروبهم إلى أن هلك لثلاث وعشرين من دولته ثار عليه أحد قواده فقتله وولى بعده ابنه أرتشخار أربعين سنة وولي بعده ابنه دارا أنوطو سبع عشرة سنة. ثم ولي بعده ابنه أرتشخار بعد أن نازعه كيرش بن نوطو فقتله أرتشخار واستولى على الأمر وسالم الروم الغريقيين. ثم انتقضوا عليه واستعانوا بأهل مصر فطالت الحرب ثم اصطلحوا ووقعت الهدنة. وهلك أرتشخار وذلك على عهد الإسكندر ملك اليونانيين وهو خال الإسكندر الأعظم وهلك لعهده فولي أبو الإسكندر الأعظم ببلد مقدونية وهو ملك فيلبس. وهلك أرتشخار أوقش لست وعشرين من دولته وولي من بعده ابنه شخشار أربع سنين وفي أيامه ولي على مقدونية واليونانيين وسائر الروم الغريقيين الإسكندر بن فيلبس ثم ولي بعده شخاردارا وعلى عهده تغلب الإسكندر على يهود بيت المقدس وعلى جميع الروم الغريقيين. ثم حدثت الفتنة بينه وبين دارا وتزاحفوا مرات انهزم في محلها. وكان للإسكندر الظهور عليه ومضى إلى الشام ومصر فملكهما وبنى الإسكندرية وانصرف فلقيه دارا أنطوس فهزمه وغلب على ممالك الفرس واستولى على مدينتهم خرج في اتباع دارا فوجده في بعض طريقه جريحاً ولم يلبث أن هلك من تلك الجراحة فأظهر الإسكندر الحزن عليه وأمر بدفنه في مقابر الملوك وذلك لألف سنة. ونحو من ثمانين سنة منذ ابتداء دولتهم كما قلناه انتهى كلام هروشيوش. وقال السهيلي: وجده مثخناً في المعركة فوضع رأسه على فخذه وقال: يا سيد الناس لم أرد قتلك ولا رضيته فهل من حاجة فقال تتزوج ابنتي وتقتل قاتلي ففعل الإسكندر ذلك وانقرض أمر هذه الطبقة الثانية والبقاء لله وحده سبحانه وتعالى. قال ابن العميد: في ترتيب هؤلاء الملوك الفرس من بعد كيرش إلى دارا آخرهم يقال: إنه ملك من بعد كورش ابنه قمبوسيوس ثمانياً وقيل تسعاً وقيل اثنتين وعشرين سنة. وقيل أنه غزا مصر واستولى عليها وتسمى بختنصر الثاني وملك بعده أريوش بن كستاسب خمساً وعشرين سنة وهو أول الملوك الأربعة الذين عناهم دايال بقوله ثلاث ملوك يقومون بفارس والرابع يكثر ماله ويعظم على من قبله. فأولهم دارا بن كستاسف وهو مذكور في المجسطي والثاني دارا ابن الأمة والثالث الذي قتله الإسكندر وقيل بل هو الرابع الذي عناه دانيال. لأنه جعل أول الأربعة داريوش وأخشورش العادي. وسركورش ورديفه في الملك ثم عد الثلاثة بعده. وفي الثانية من ملكه داريوش بن كيستاسف لبابل تمت سبعون سنة لخراب القدس وفي الثالثة كمل بناء البيت. ثم ملك بعد داريوش بن كيستاسف هذا أسمرديوس المجوسي سنة واحدة وقيل ثلاث عشرة سنة وسمي مجوسياً لظهور زرادشت بدين المجوسية في أيامه. ثم ملك أخشويرش بن داريوش عشرين سنة وكان وزيره هامان العمليقي وقد مرت قصته مع الجارية من بني إسرائيل. ثم ملك من بعده ابنه أرطحشاشت بن أخشويرش ويلقب بطويل اليدين وكانت أمه من اليهود بنت أخت مردخاي وكانت حظية عند أبيه وعلى يدها تخلص اليهود من سعاية وزيره فيهم عنده وكان العزيز في خدمته. ولعشرين من دولته أمر بهدم أسوار القدس ثم رغب إليه العزيز في تجديدها فبناها في اثنتي عشرة سنة. قال ابن العميد عن المجسطي: إن العزير هذا ويسمى عزرا هو الرابع عشر من الكهنونية من لدن هارون عليه السلام وأنه كتب لبني إسرائيل التوراة وكتب الأنبياء من حفظه بعد عودهم من الجلاء الأول لأن بختنصر كان أحرقها. وقيل أن الذي كتب لهم ذلك هو يشوع بن أبو صادوق. ثم ملك من بعده أرطحشاشت الثاني خمس سنين وقيل إحدى وثلاثين وقيل ست عشرة وقيل شهرست. ورجح ابن العميد الخمس لموافقتها سياقة التواريخ. وكان لعهده أبقراط وسقراط في مدينة أشياش ولعهده كتب النواميس الاثني عشر. ثم ملك بعده صغريتوس ثلاث سنين ثم ملك من بعده دارا بن الأمة ويلقب الناكيش وقيل داريوس ألياريوس ملك سبع عشرة سنة وكان على عهده من حكماء يونان سقراط وفيثاغورس وأقليوس. وفي الخامسة من دولته انتقض أهل مصر على يونان واستبدوا بملكهم بعد مائة وأربع وعشرين سنة. كانوا فيها في ملكتهم. ثم ملك من بعده أرطحشاشت ابن أخي كورش داريوش إحدى عشرة سنة وقيل اثنتين وعشرين سنة وقيل أربعين وقيل إحدى وعشرين. وكان لعهده ألياقيم الكوهن الذي داهن الكهنونية ستاً وأربعين سنة. ثم ملك من بعده أرطحشاشت وتسمى أخوش ويقال أوغش عشرين سنة وقيل خمساً وعشرين وقيل تسعاً وعشرين. وزحف إلى مصر فملكها وهرب منها فرعون ساناق إلى مقدونية واسمه قصطرا. وبنى أرطحشاشت قصر الشمع وجعل فيه هيكلاً وهو الذي حاصره عمرو بن العاص وملكه. ثم ملك من بعده ابنه أرشيش بن أرطحشاشت وقيل اسمه فارس أربع سنين وقيل إحدى عشرة. وكان لعهده من حكماء يونان بقراط وأفلاطون ودمقراطس ولعهده قتل بقراط على القول بالتناسخ وقيل لم يكن مذهبه وإنما ألزمه به بعض تلامذته ثم شهدوا عليه. وقتل مسموماً قتله القضاة بمدينة أثينا. ثم ملك من بعده ابنه دارا بن أرشيش عشرين سنة وقيل ست عشرة. وقال ابن العميد عن أبي الراهب: إنه دارا الرابع الذي أشار إليه دانيال كما مر. وكان هذا الملك عظيماً فيهم وتغلب على يونان وألزمهم الوظائف التي كانت عليهم لآبائه وملكهم يومئذ الإسكندر بن فيلبس وكان عمره ست عشرة سنة فطمع فيه دارا وطلب الضريبة فمنع وأجاب بالأغلاظ وزحف إليه فقاتله وقتله واستولى الإسكندر على ملك فارس وما وراءه. انتهى كلام ابن العميد.
|